هل تعلم أن ملايين الأشخاص حول العالم يعانون من اضطرابات النوم دون أن يدركوا ذلك؟
الأرق، الشخير، والنعاس المفرط هي مجرد قمة جبل الجليد،وما خفي أعظم.
لماذا لا أستطيع النوم؟
قد تجد إجابات سهلة وبسيطة ومخدرة للحيرة، هكذا كان يظن "علي". لكن بعدما اكتشف "علي" ما هي أمراض النوم، أدرك الأسباب التي كانت تقف خلف أسئلة حيرته كثيرًا: "لماذا أشعر بالتعب بالنهار؟ لماذا لا أستيقظ نشيطًا كل يوم؟".
يعتقد الكثيرون أن اضطرابات النوم هي مجرد "حالة ذهنية". لكن الأبحاث العلمية أثبتت عكس ذلك تمامًا. فمعظم مشكلات النوم لها جذور فسيولوجية وعصبية واضحة. في هذا المقال، سنكشف لك الحقائق العلمية وراء نومك، ونجيب على أسئلتك: "كيف أسترخي أثناء النوم؟ وكيف أحصل على نوم هادئ؟ هل أحتاج إلى مكملات غذائية أو أدوية علاجية للنوم؟". ونقدم لك فهمًا طبيًا دقيقًا لكل ما يخص اضطرابات النوم.
يُعد النوم الجيد أساسًا لجميع وظائف الجسم. عندما يختل هذا الأساس، تتأثر صحتك العامة بشكل مباشر.
الأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM) (1) هي منظمة مهنية رائدة تُعنى بالعلوم والبحوث السريرية لطب النوم. تأسست في عام 1975، وتضم في عضويتها آلاف الأطباء والعلماء والمهنيين الصحيين المتخصصين في تشخيص وعلاج اضطرابات النوم. تُعد AASM المصدر الأساسي لتصنيف اضطرابات النوم (ICSD)، وتقدم إرشادات ومعايير للممارسات السريرية، وتعتمد مراكز النوم لضمان أعلى مستويات الجودة في الرعاية الصحية. من خلال أبحاثها وبرامجها التعليمية، تهدف الأكاديمية إلى تعزيز فهم الجمهور لأهمية النوم وتأثيره على الصحة العامة.
في هذا المقال، سنستعرض أبرز أمراض النوم وتصنيفاتها، لنقدم لك دليلًا شاملًا يساعدك على فهم متى يكون اضطراب نومك مجرد مشكلة عابرة، ومتى يستدعي التدخل الطبي.
ما هو النوم؟ وما هي مراحله؟
يعد فهم فسيولوجيا النوم أمرًا بالغ الأهمية لفهم كيفية عمل الجسم والعقل أثناء الراحة. يمكن تقسيم هذه العملية المعقدة إلى مرحلتين رئيسيتين: نوم حركة العين غير السريعة (NREM) ونوم حركة العين السريعة (REM).
مراحل النوم: الدورة الطبيعية
وفقًا لـالأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM)، تبدأ دورة النوم بـمرحلة NREM، وتتكون من ثلاث مراحل فرعية:
- المرحلة N1 (النعاس): هي مرحلة الانتقال بين اليقظة والنوم. يمكن أن تستمر لبضع دقائق فقط، وتتميز بتباطؤ ضربات القلب والتنفس، واسترخاء العضلات.
- المرحلة N2 (النوم الخفيف): هذه هي أطول مراحل النوم وتستغرق حوالي نصف الوقت الإجمالي للنوم. يتباطأ فيها القلب والتنفس أكثر، وتنخفض درجة حرارة الجسم.
- المرحلة N3 (النوم العميق): تُعرف أيضًا باسم "نوم الموجة البطيئة". في هذه المرحلة، يصعب إيقاظ الشخص. وتحدث فيها معظم عمليات الترميم الجسدي، مثل إصلاح الأنسجة ونمو العظام والعضلات وتقوية جهاز المناعة. وهو ما يفسر أهمية النوم، وخصوصًا النوم ليلًا.
بعد المرور بهذه المراحل، يدخل الدماغ في مرحلة REM.
نوم حركة العين السريعة (REM)
تُعرف هذه المرحلة بـ"نوم الأحلام"، وهي تتميز بزيادة نشاط الدماغ، حيث يصبح نشاطه مشابهًا لحالة اليقظة.
- الخصائص: تتحرك العيون بسرعة تحت الجفون المغلقة، ويزداد معدل ضربات القلب والتنفس، ويصاب الجسم بشلل مؤقت (Atonia) لمنعنا من تمثيل أحلامنا جسديًا.
- الوظيفة: تُعد هذه المرحلة حاسمة للتعلم، وتوحيد الذاكرة، والتطور المعرفي.
دورة النوم الكاملة
تتكرر دورة النوم (NREM ثم REM) عدة مرات في الليلة الواحدة، وتستغرق كل دورة حوالي 90 دقيقة. في بداية الليل، يكون النوم العميق (N3) هو الغالب. ومع تقدم الليل، تصبح مراحل نوم REM أطول، مما يفسر سبب تذكرنا للأحلام التي نراها في الصباح غالبًا.
العوامل المؤثرة على النوم
- الساعة البيولوجية (Circadian Rhythm): هي ساعة داخلية تنظم دورة اليقظة والنوم على مدار 24 ساعة. يتأثر تنظيمها بالضوء والظلام، حيث يعمل الضوء على تثبيط إنتاج الميلاتونين (هرمون النوم)، بينما يساعد الظلام على إفرازه. هذا يفسر لماذا ننام ليلًا ونجد صعوبة في النوم نهارًا.
- الضغط على النوم (Sleep Pressure): هو تراكم مادة كيميائية تسمى الأدينوسين في الدماغ أثناء اليقظة، والتي تزيد من الشعور بالنعاس. يقل هذا الضغط أثناء النوم العميق. وبذلك يدرك الطلاب والدارسون لماذا نشعر بالنعاس إذا بدأنا بالمذاكرة؟ وهذا بسبب الإرهاق الذهني. ومهما شربت من منبهات، لا تساعد على اليقظة، ولكن تزيد من عدم الراحة أثناء النوم.
- الميلاتونين: هرمون رئيسي يُفرز من الغدة الصنوبرية في الدماغ استجابة للظلام، ويساعد على بدء النوم.
فهم هذه الآليات يساعد على تقدير أهمية الحفاظ على عادات نوم صحية لضمان عمل الجسم والعقل بكامل كفاءتهما. ولمزيد من التوضيح، يمكنك مشاهدة محاضرة تعليمية لفسيولوجية النوم.(2)
ما هي أسباب الأرق وصعوبة النوم؟
وفقًا لـالأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM)، تصنف اضطرابات النوم في سبع فئات رئيسية في "التصنيف الدولي لاضطرابات النوم" (ICSD-3-TR) (3). وهنا ستجد إجابتك على السؤال المحير: "لماذا لا أحصل على الاسترخاء والراحة أثناء النوم؟".
الفئات الرئيسية لاضطرابات النوم
- اضطرابات الأرق (Insomnia Disorders): تتميز بصعوبة في النوم أو البقاء نائمًا، أو الاستيقاظ في وقت مبكر جدًا، مما يؤدي إلى الشعور بعدم الراحة خلال النهار. يُصنف الأرق إلى:
- اضطراب الأرق المزمن: يستمر لثلاثة أشهر أو أكثر.
- اضطراب الأرق قصير الأمد: يستمر لأقل من ثلاثة أشهر.
- اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم (Sleep-Related Breathing Disorders): تتضمن هذه الفئة مشاكل في التنفس أثناء النوم، مما يؤدي إلى انخفاض جودة النوم. تشمل:
- متلازمات انقطاع التنفس الانسدادي (Obstructive Sleep Apnea - OSA): وهو الأكثر شيوعًا، ويحدث بسبب انسداد مجرى الهواء العلوي أثناء النوم.
- متلازمات انقطاع التنفس المركزي (Central Sleep Apnea Syndromes): تحدث بسبب فشل الدماغ في إرسال الإشارات المناسبة لعضلات التنفس.
- الاضطرابات المركزية لفرط النوم (Central Disorders of Hypersomnolence): تتميز بوجود النعاس المفرط خلال النهار، ولا يمكن تفسيرها بقلة النوم أو اضطرابات أخرى. من أبرز أنواعها:
- النوم القهري (Narcolepsy): يتميز بهجمات نوم مفاجئة وغير قابلة للسيطرة خلال اليوم.
- فرط النوم مجهول السبب (Idiopathic Hypersomnia): يتميز بنعاس مفرط خلال النهار دون سبب واضح.
- اضطرابات إيقاع الساعة البيولوجية للنوم والاستيقاظ (Circadian Rhythm Sleep-Wake Disorders): تحدث عندما يكون توقيت النوم غير متزامن مع البيئة الخارجية. وتنقسم إلى صنفين رئيسيين:الاضطرابات الداخلية (Intrinsic CRSWDs):اضطراب تأخر مرحلة النوم: حيث يتأخر وقت النوم والاستيقاظ بشكل مزمن.اضطراب تقدم مرحلة النوم: حيث ينام الشخص ويستيقظ في وقت مبكر جدًا.الاضطرابات الخارجية (Extrinsic CRSWDs): وهذا التصنيف لا يحتاج عادة إلى زيارة الطبيب ويمكن التعامل معه باتباع إرشادات يمكننا في صيدلية البيروني توجيهك إليها.اضطراب العمل بنظام المناوبات: يؤثر على الأشخاص الذين يعملون في مناوبات ليلية أو غير منتظمة.اضطراب الرحلات الجوية الطويلة: وهو اضطراب مؤقت يحدث بسبب السفر عبر مناطق زمنية مختلفة.
- الباراسومنيا (Parasomnias): هي مجموعة من الأحداث والسلوكيات غير المرغوب فيها التي تحدث أثناء الخلود إلى النوم، أو خلال النوم، أو عند الاستيقاظ. تشمل:
- اضطرابات المشي أثناء النوم (Sleepwalking): حيث يقوم الشخص بأفعال معقدة وهو نائم.
- اضطراب السلوكيات في مرحلة حركة العين السريعة (REM Sleep Behavior Disorder - RBD): حيث يقوم الشخص بتمثيل أحلامه بشكل حركي.
- اضطراب الكوابيس: يتضمن استيقاظًا متكررًا بسبب كوابيس مخيفة.
- اضطرابات الحركة المرتبطة بالنوم (Sleep-Related Movement Disorders): تتضمن هذه الفئة حركات جسدية متكررة أو غير طبيعية أثناء النوم. من أمثلتها:
- متلازمة تململ الساقين (Restless Legs Syndrome - RLS): وهي إحساس غير مريح في الساقين مع رغبة قوية في تحريكهما.
- اضطراب حركة الأطراف الدورية (Periodic Limb Movement Disorder - PLMD): يتضمن حركات متكررة وغير إرادية للساقين أو الذراعين أثناء النوم.
- صرير الأسنان أثناء النوم (Sleep Bruxism): وهو عادة طحن أو صك الأسنان أثناء النوم.
- اضطرابات النوم الأخرى (Other Sleep Disorders): تضم هذه الفئة اضطرابات لا تندرج تحت الفئات الست السابقة، مثل الأرق المرتبط بحالة طبية أو اضطرابات نفسية.
إن فهم هذه التصنيفات المتنوعة لأمراض النوم يوضح لنا أن النوم المضطرب ليس مجرد إزعاج بسيط، بل هو مؤشر على حالة طبية قد تؤثر على صحتك على المدى الطويل. بينما تعتبر بعض اضطرابات الساعة البيولوجية، مثل تلك الناجمة عن السفر أو العمل بنظام المناوبات، ذات طبيعة خارجية ومؤقتة نسبيًا ويمكن التعامل معها بمساعدة من الصيدلي أو باستشارة أولية، فإن الأنواع الداخلية والمزمنة من اضطرابات النوم المذكورة هنا - من الأرق إلى انقطاع التنفس - تستدعي جميعها استشارة طبيب متخصص في طب النوم. لا تتردد في طلب المساعدة الطبية؛ فالخطوة الأولى نحو العلاج هي فهم المشكلة، والهدف هو أن تعود لتنعم بنوم هادئ ومريح، وتستعيد طاقتك وحيويتك في كل يوم.
الإرشادات العالمية لعلاج الأرق
تعتمد هذه الإرشادات على تغيير بعض العادات السلوكية والنظام اليومي، وتُعرف باسم العلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBT-I) (4)، وهي الطريقة الأكثر فعالية على المدى الطويل. إليكم أهم الخطوات:
1. النظافة الجيدة للنوم (Sleep Hygiene)
هي مجموعة من العادات التي تساعد على تهيئة الجسم والعقل للنوم.
- ثبّت موعد النوم والاستيقاظ: حاول الذهاب للنوم والاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع. هذا يساعد على تنظيم ساعة الجسم البيولوجية.
- خلق بيئة نوم مثالية: اجعل غرفة نومك مظلمة، وهادئة، وباردة. استخدم ستائر ثقيلة إذا لزم الأمر، وتجنب وجود أجهزة إلكترونية فيها.
- الابتعاد عن الشاشات: تجنب استخدام الهواتف، الأجهزة اللوحية، والتلفاز قبل ساعة من موعد النوم. الضوء الأزرق المنبعث من هذه الشاشات يمكن أن يثبط إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم.
2. تحديد وقت محدد للاسترخاء قبل النوم
خصّص 30-60 دقيقة قبل النوم للقيام بنشاطات مريحة تساعدك على الاسترخاء والابتعاد عن التوتر.
- قراءة كتاب ورقي: القراءة الخفيفة (وليس قراءة عمل أو دراسة) تساعد على تصفية الذهن.
- التأمل أو تمارين التنفس: هذه التقنيات تساعد على تهدئة الجهاز العصبي.
- أخذ حمام دافئ: الحرارة تساعد على إرخاء العضلات وتهيئة الجسم للنوم.
3. تجنب المنبهات والكحول
- الكافيين والنيكوتين: تجنب شرب القهوة، الشاي، والمشروبات الغازية التي تحتوي على الكافيين بعد الظهر. النيكوتين أيضًا منبه قوي يجب تجنبه.
- الكحول: على الرغم من أن الكحول قد يجعلك تشعر بالنعاس في البداية، إلا أنه يقطع دورات النوم ويؤدي إلى استيقاظ متكرر.
4. النشاط البدني المنتظم
- ممارسة الرياضة: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام خلال النهار يمكن أن تحسن جودة النوم بشكل كبير.
- تجنب الرياضة قبل النوم: يفضل تجنب التمارين الشاقة قبل 2-3 ساعات من موعد النوم، لأنها تزيد من حرارة الجسم ومستويات الطاقة.
هل استخدام المكملات الغذائية آمن؟
نعم، هذا ما علمناه مما سبق في حالة اضطرابات الساعة البيولوجية ذات الأسباب الخارجية، مثل تغير نوبات العمل والسفر الطويل بين مناطق زمنية مختلفة، أو اختلاف ساعات النوم في فصل الصيف وقت الإجازات والسهرات مع العائلة والأصدقاء.
هل يوجد مكملات غذائية آمنة تساعد طفلي على النوم؟
لمعلومات أكثر عن استخدام المكملات الغذائية المناسبة للحصول على نوم هادئ، والاستيقاظ صباحًا بنشاط وحيوية، يمكنك زيارة موقع صيدلية البيروني أو التواصل مع خدمة العملاء. ويشرفنا زيارتكم لـصيدلية البيروني. هدفنا صحة وعافية.